الياس حنّا النجار – نجّار العتابا

ذات يوم من سنة ١٩٠٣ وُلد لحنّا النجّار الفخري (من بشري) ونجيبه مسعود العاقوري (من العاقورة) طفل أسمياه “الياس”. كان الزوجان موزّعين بين بشري ودير الأحمر، فوزّعا الطفل معهما … والشّاب… والكهل… والعجوز الذي غادر دنياه في ٣ آذار ١٩٨٦ عن ثلاثة وثمانين عاماً تداولتها المسافات والأماكن كحجارة النَرْد، وتقاسمتها الدموع قسمةً غير عادلة مع الضحكات، وتناوبت عليها الوجوه الحسناء بين زيارات خاطفة وإقامات طويلة، وقطفت منها العتابا قرابة السبعين عاماً.
ولد فقيراً في دنيا ترابيّة، وظلّ كذلك حتى النهاية زُهداً ولا مبالاة… وولد مَلكاً في عالم أثيريّ، وظلّ كذلك حتى النهاية شاعريّةً وقَطْفاً للفرادات، وعاش حاملاً عصا الفقير بيدٍ وصولجان الملك بأخرى، فكان “غريبيْن” على الدوام، غريباً في غُربة، وغريباً في غرابة.
يوم جاء النجار – قبل أكثر من مئة سنة – كانت “العتابا” ما تزال في مرحلة غرق الأقدام في الفصحى. ربّما لم يكُن أهلها يومذاك مبالين بهذا الغرق، وربّما لم يكونوا يعرفون كيف ينقذونها منه، بل ربّما لم يحاواوا ذلك أساساً. ولقد أتى النجار البيت من بابه، فسكب عتابا بداياته في اللغة الشائعة التي كانت تألفها أو تستطيبها الذّائقة الشعبية، إلى حدّ الإستمتاع بالمبارزة في ميدانها من جهة، وتقليب معاجم العربية بحثاً عن غرائب المفردات من جهة أخرى.
وإلى هذه المأثرة الجوهريّة في الشكل، أضاف النّجار مأثرة جوهريّة أخرى في المضمون حين كان أوّل من فتح “العتابا” على كلّ الآفاق التي يرتادها الأدب، موسّعاً حلقتها التقليدية الضيّقة لتحتضن جميع المواضيع… وصولاً إلى الخاطرة الحكميّة والفكرة الفلسفيّة.
ولا شكّ لدينا في أن “ملك العتابا” قد ركّز عرشه على هاتين المأثرتين قبل أن يركّزه على غزارة قريحته، وسرعة بديهته، ومتانة سبكه، وتجنيسه التعجيزي، واحتلابه ضرع فنّه حتى آخر قطرة، وقوّة شخصيّته، وجرأة مواقفه، وصقريّة نزاله (وربّما… سلاطة لسانه)، ذلك أن الأوليين شكّلا تحوّلاً وتطوّراً غير قابلين للإنعكاس في تاريخ فنّ “العتابا” بينما كانت الأخيرة – على استثنائيّتها – صفات شخصيّة حملها معه عند غيابه.
شهد لو الكثيرون وأهّمهم موسى زغيب، أنطوان كرباج وسعيد عقل الذي لقّبه ب”الملك”.

 

نحنا ضيوف الأرض… تا نبقا مُحال
مهما نْطوّل رح نودِّع لا مَحال
وبعد المَمات بْتنعرف كلّ المَحالّ
وبْيِنْقَفَر عالقدّ وينو مْحَلّنا

مقالات مقترحة

أخبارنا على فايسبوك

Unable to display Facebook posts.
Show error

Error: Error validating application. Application has been deleted.
Type: OAuthException
Code: 190
Please refer to our Error Message Reference.