الأب فيليب شبيعه – عمرٌ على بيدر أجيال
– ولد الأب فيليب شبيعة في بشري في ٢٤ أيار سنة ١٩٢١ من أبوين عُرفا بالتقوى والسيرة الحسنة وفي عائلة عريقة في تاريخ بشري الديني والثقافي والسياسي.
– والده بطرس هو ابن يوسف شبيعة من أوائل المهاجرين الى الولايات المتحدة الأميركية سنة ١٨٥٠.
– أمه حلة هي إبنة أسعد كيروز وإبنة شقيقة البطريرك أنطون عريضه وشقيقة المونسنيور اغناطيوس كيروز.
–تلقى دروسه الإبتدائية في بشري في مدرسة الآباء الكرمليين وما لبث أن تركها في الثامنة من عمره قاصداً مدرسة الفرير في طرابلس حيث بقي فيها حتى الحادية عشرة من عمره.
–سنة ١٩٣٢ بدأت دعوته الكهنوتية فإنتقل الى مدرسة الأكليركية التابعة للآباء اليسوعيين في بيروت وكان آنذاك في الصف الثاني المتوسط.
–سنة ١٩٣٧ أنهى دراسته الثانوية عند اليسوعيين حيث نال شهادة الفلسفة ومن ثم انتقل الى الجامعة الغريغورية في روما وبقي فيها حتى سنة ١٩٤٠ حيث نال الإجازة في الفلسفة بدرجة جيّدجدّاً، وقد أشار عليه معلموه في الجامعة بتديس الفلسفة.
–سنة ١٩٤٠ عاد الى بيروت وتابع دراسة اللاهوت في الجامعة اليسوعية ونال إجازته في اللاهوت بدرجة جيّد سنة ١٩٤٤.
–سنة ١٩٤٤ وفي ٢٥ آذار يوم عيد البشارة سيم كاهناً في كنيسة الآباء اليسوعيين بوضع يد المطران عبدالله الخوري.
–بعد سيامته كاهناً تمنّى عليه البطريرك أنطون عريضه البقاء معه في الكرسي البطريركي، كما طلب منه المطران أنطون عبد راعي أبرشية طرابلس البقاء معه في الأبرشية ولكنه آثر الذهاب الى القليعة في قضاء مرجعيون حيث أدار شؤون مدرسة الضيعة لمدة سنة واحدة بمساعدة الأب يوحنا كوكباني.
–سنة ١٩٤٥ بدأ عمله في المدرسة الرسمية للصبيان في بشري دون أن يكون موظفاً ودون أجر وكان مدير المدرسة آنذاك المرحوم الشيخ أسعد كيروز.
–سنة ١٩٤٧ زار المدير العام لوزارة التربية الوطنية جورج حيمري المدرسة الرسمية في بشري فدُهش للجهود التي يبذلها الأب شبيعة في تنظيم شؤون الدراسة فعيّنه مديراً للمدرسة وكان بذلك على الأرجح الكاهن الأول الذي يدخل سلك التعليم الرّسمي. ومنذ ذلك الوقت بدأت مسيرة الأب فيليب شبيعة التربوية في قضاء بشري، والتي لم تتوقف حتى يومنا هذا، ولن تتوقف حتى بإحالته الى التقاعد.
–المدرسة الرسمية للصبيان في بشري المعروفة حالياً بإسم مدرسة رشيد عريضه المحسن البشراوي الكبير الذي بناها من ماله الخاص خدمة لأبناء منطقة بشري، لك تكن مجهزة سنة ١٩٤٥بملاعب، وغرف التدريس فيها تقتصر على خمس عشرة غرفة وغير مجهزة بوسائل للتدفئة، والبناء موزع بين متحف للوحات جبران ومساكن خاصة لأشخاص بشراويين. عدد أساتذتها كان لايتجاوز أصابع اليد (من أساتذتها آنذاك : المرحوم الأستاذ بربر طوق، الأستاذ جان منعم، الإستاذ ميشال صادق رحمه والمرحوم الأستاذ وجيه شباط..) كذلك عدد طلابها لا يتجاوز الستين طالباًويقتصر التدريس فيها على المرحلة الإبتدائية فقط.
وهكذا بدأ الأب فيليب مديراً وناظراً ومعلّماً للرياضة ومعلّماً للدين ومرشداً اجتماعياً ومراقباً صحّياً ومشرفاً على الدروس المسائية وبناءً ورئيساً لورشة إعادة تأهيل غرف التدريس وإضافةالملاعب الجديدة.
وكان يقصد المدرسة في الساعة السادسة صباحاً ويغادرها عند الثامنة مساءً. وفي أيام العطلة كان يقصدها للإشراف على إجراء التصليحات الضرورية فيها.
غالبيّة طلّاب المدرسة كانوا من أبناء الطّبقات الفقيرة في بشرّي وحدشيت وبلوزا وبان وبقرقاشا وبقاع كفرا وبزعون وحصرون وحدث الجبّة وقنات وبيت مندر وبرحليون وعبدين وطورزا الّذين كانوا يقصدونها في أغلب الأحيان مشياً على الأقدام. لا سيما أن الميسورين من أبناء منطقة بشرّي كانوا يرسلون أولادهم إلى مدارس طرابلس أو بيروت أو المدارس الإكليريكيّة.
وكان الأب فيليب يشتري كتب المعوزين من ماله الخاص كذلك كان يساعد البعض فيشتري لهم الثّياب والأحذية بالإضافة إلى ضغوطه المستمرّة على الأهل من أجل تفريغ أولادهم لشؤون الدّراسة فقط لأن أكثر طلاب المدرسة كانوا ينصرفون إلى الحقول لمساعدة أهلهم لا سيما مع بداية فصل الرّبيع. وهكذا أخذت المدرسة تنمو وتكبر ، فالغرف انتقلت من خمس عشرة غرفة إلى خمس وعشرين بالاضافة إلى مسرح كبير. وأضيف إلى الملعب الصّغير ملعبان كبيران وأضيفت المرحلة المتوسّطة إلى المرحلة الابتدائيّة واستُعمل المازوت في التّدفئة بدل الحطب وأخذ عدد الطّلاب يتضاعف حتّى بلغ في بعض الأوقات ٦٥٠ طالباً وأخذ عدد المعلّمين يزداد حتّى بلغ خمساً وثلاثين معلّماً ومعلّمة واستحدثت صفوف للروضة وملعبان شتويّان أحدهما قيد الإنشاء. وأخذت مدرسة الأب فيليب شبيعة ترسل أبناءها إلى معاهد طرابلس وبيروت فبرز العديد منهم في ميادين القضاء والطّب والتّعليم والهندسة والكهنوت والموسيقى. وأكثر الّذين يتصدّرون المجتمعالبشرّاوي من أبناء الطّبقة الوسطى وما دون هم من خرّيجي مدرسة الأب فيليب. وبدأت النشاطات الثّقافيّة والرّياضيّة والفنّيّة والاجتماعيّة تخرَّج من مدرسة بشرّي الرّسميّة للصّبيان. فالأب فيليب رعى أوّل المحاولات المسرحيّة في بشرّي عندما مُثّلت على مسرح المدرسة مسرحيّات “خليل الكافر” و “حبيب ملكون” كذلك شهدت ملاعب المدرسة وطرقات بشرّي مهرجانات رياضيّة. وكذلك نظّمت مباريات لإلقاء الشّعر.
وأضاف الأب فيليب الغناء والرّسم والرّقص إلى المواد الدّراسيّة كما أسّس مكتبة في المدرسة ومختبراً للعلوم وهكذا أضحت المدرسة خليّة نحل لا تهدأ ومكاناً أليفاً يقصده الطّلاب منذ الصّباح ولايغادرونه إلّا بعد هبوط الظّلام. وكأنّ الأب المربّي لم يكتف بالمدرسة الصّغيرة فجعل من كل بشرّي ومن القرى المجاورة مدرسة كبيرة فبدأ بتأسيس النّوادي والجمعيّات وأسّس أنماطاً إجتماعيّة وثقافيّة لم تزل حيّة حتّى اليوم. ولعلّ أجملها مرور “بابا نويل” ليلة الميلاد على البيوت حاملاً الهدايا إلى الصّغار وكانت الفاتحة ليلة ميلاد ١٩٤٥ حيث وزّع الأب فيليب الهدايا على أطفال بشرّي من ماله الخاص. ونظّم الحفلات التّنكّريّة “الكرنفال” في أسبوع المرفع وأحيى مسيرات أحد الشّعانين وقاد حملات التّشجير والنّظافة في البلدة، وكان المحرّك الأساسيّ لكلّ الجمعيّات من “الشّبيبة البشرّاويّة ” إلى “الشّبيبة العاملة المسيحيّة” إلى “نادي الأرز” وجمعيّة “فرسان العذراء” والمسؤل عن التّعليم الدّيني في مدارس القضاء إضافةً إلى رعايته الدّعوات الكهنوتيّة وتأمينه بعض المنح الدّراسيّة إلى روما فمساهمته في نشاطات كاريتاس فرعايته الدّائمة لجميع الفقراء والمعوزين فالى مساهمته الفعّالة في إنشاء تكميليّة في حدشيت. كلّ ذلك والشّمال لا تدري ماصنعت اليمين.
ونحن الّذين اليوم نكتب هذه السّطور القليلة عن حياته نطلب منه أن يسامحنا لذكره هذه الأمور لأنّنا نعرف جيّداً أنها تجرح تواضعه الكبير وتحدث ضجّةً حول عمله الصّامت والدّؤوب لم يطلبها يوماً لأنّه لم يكن يوماً من طلّاب الشّهرة وحبّ الظّهور ولأنّه لم يقم بأي عمل من أجل الوصول إلى وجاهة أو مركز أو لقب.
فهو الّذي عمل وما زال من أجل تقدّمنا ورقيّنا ورفاهيّتنا ومن أجل إثرائنا بمجموعةٍ من القيم والمبادىء والمحن مهما تعاظمت.